جار التحميل

عبء الذات: هل يمكننا التحرر منه؟

svgأبريل 2, 2025تدويناتي

يعاني الكثير منا من “عبء الذات”؛ هذا الشعور الذي يضغط علينا، ويشعرنا بأننا المسؤولين الوحيدين عن كل شيء في حياتنا. إذا فشلنا في شيء، سواء كان في العمل أو في علاقاتنا الشخصية أو في حياتنا الاجتماعية، نجد أنفسنا نلوم أنفسنا ونعتقد أن الفشل هو نتيجة تقصيرنا أو “غبائنا” الشخصي. هذه العقلية تتغاضى تمامًا عن وجود عوامل خارجية قد تؤثر على حياتنا.

هذا الضغط المفرط على الذات ناتج عن ثقافة الفردانية التي نشأنا عليها في العصر الحديث. أصبحت المسؤولية الذاتية تتراكم على كاهلنا مع تراجع الترابط الاجتماعي، فنشعر أننا يجب أن نكون قادرين على القيام بكل شيء بأنفسنا، وأنه لا مكان للاعتماد على الآخرين. هذا كله يؤدي إلى شعور مستمر بالإحباط والتعب النفسي، ويجعلنا نشعر بأننا دائمًا في سباق ضد أنفسنا وضد المجتمع.

فكرة الاستحقاق والعلاقة بالتوقعات العالية

من المشاكل المرتبطة بهذه الثقافة هي ما يسميه الفيلسوف السويسري «آلان دي بوتون» في كتابه عن ثقافة الاستحقاق. كثيرًا ما نجد في مجتمعاتنا – وكذلك في أدبيات تطوير الذات – الترويج لفكرة أن الشخص الذي يسعى ويسعى يجب أن يحصل على ما يريد ويحقق أهدافه بشكل قاطع. فهناك نوعان من الكتب في سوق تطوير الذات: أحدهما يقدم لك كيفية “جني مليون دولار”، والآخر يتحدث عن التشافي من تدني احترام الذات الناتج عن التوقعات العالية التي قد لا نستطيع الوفاء بها.

بسبب هذه التوقعات العالية التي تروج لها بعض الأدبيات، يعاني الكثير من الناس من خيبة الأمل والإحساس بأنهم لم يحققوا أهدافهم. نجد أن هذه الكتب قد تساهم في خلق شعور بأننا “نستحق” هذه الأشياء لمجرد وجودنا، وهو أمر يضع عبئًا إضافيًا على كاهل الفرد، ويجعله يعيش في توتر مستمر بين ما يعتقد أنه يستحقه وبين الواقع الذي يعيشه.

طلب المساعدة وتقبل الدعم

إن أحد الحلول لمشكلة عبء الذات هو قبول فكرة أننا لا نملك القدرة على القيام بكل شيء بمفردنا. في الواقع، لدينا حاجة إنسانية عميقة للتواصل مع الآخرين وطلب المساعدة. هذا ليس ضعفًا، بل هو تعبير عن حكمة إنسانية بأننا بحاجة لبعضنا البعض.

إحدى القصص التي جعلتني أعيد التفكير في موضوع طلب المساعدة هي قصة إنديرا نويي، الرئيس التنفيذي لشركة بيبسي. تحدثت عن كيف أن استخدامها لآليات تأقلم، مثل طلب المساعدة من الآخرين وتدريبهم على مساعدتها في حياتها اليومية، كان له دور كبير في الحفاظ على توازن حياتها الشخصية والمهنية. هذه الآليات هي مجرد نمط من التعاون بين الأفراد للوصول إلى أهداف مشتركة.

ثقافة المساعدة المتبادلة

طلب المساعدة ليس فقط للضعفاء أو الذين يواجهون المشاكل. بل يمكن أن يكون جزءًا من آلية لتطوير الذات. عندما نطلب الدعم، فإننا نعترف أن هناك شيئًا يمكن للآخرين أن يساهموا فيه لتسهيل حياتنا. وأحيانًا يكون هذا الدعم بسيطًا مثل من يساعدك على تجاوز خوفك من شيء معين، أو شخص يساندك في اتخاذ قرار صعب.

في تجربتي الخاصة، تعلمت أن طلب المساعدة لا يقلل من قيمتي. على العكس، أصبح طلب المساعدة من الآخرين أكثر حرية وسهولة. في بعض الحالات، كانت تلك المساعدة تشكل فارقًا كبيرًا في حياتي.

التجربة الإنسانية والتعاون

في ديننا الإسلامي، نجد الكثير من الأدلة على أهمية التعاون والتكافل بين البشر. حتى في الأوقات التي قد يشعر فيها الإنسان بأنه لا يستطيع السير بمفرده، فإن الله سبحانه وتعالى يرسل له من يساعده. وهذه الفكرة تظهر بوضوح في قصة النبي موسى عليه السلام، الذي طلب من الله أن يعين أخاه هارون ليكون معه في مهمته. كان موسى عليه السلام – مع أنه نبي – بحاجة إلى الدعم والمساعدة. هذه الفكرة العميقة تعكس حقيقة أننا، ككائنات بشرية، لا يمكننا أن ننجح بمفردنا في كل شيء.

خلاصة

لنكن أكثر رحمة بأنفسنا ولنحررها من عبء الذات الزائف. نحن لسنا المسؤولين الوحيدين عن كل شيء في حياتنا. هناك عوامل خارجية، وهناك دعم يمكننا طلبه. الأهم هو أن نركز على السعي والتعلم من تجاربنا، بدلاً من أن نكون مهووسين بالنتائج والأرقام. بقبولنا للمساعدة وتبادل الدعم مع الآخرين، نخلق بيئة صحية تسمح لنا بالنمو والتطور الشخصي.

svg

ما رأيك؟

إظهار التعليقات / اترك تعليقًا

اترك رداً

svg
تنقل سريع
  • 01

    عبء الذات: هل يمكننا التحرر منه؟