جار التحميل

فهم الاستحقاق: بين الحقيقة والتوهم

svgأبريل 2, 2025تدويناتي

في حياتنا اليومية، كثيرًا ما نبارك لأصدقائنا أو زملائنا في العمل على إنجازاتهم بعبارات مثل “تستحق ذلك” أو “you deserve it”. هذه العبارات تعكس رابطًا قويًا بين الجهد والنتيجة في أذهاننا، وهو أمر طبيعي ومعقول. لكن في الوقت نفسه، نشهد أن هذا الارتباط بين السبب والنتيجة أصبح مشوشًا، ويبدو أن مفهوم “الاستحقاق” الذي يتم ترويجه في أدبيات التنمية الذاتية قد يكون أحد الأسباب التي تقودنا إلى هذه المشاعر المربكة.

ما هو الاستحقاق؟

1. مفهوم الاستحقاق في أدبيات التنمية الذاتية: عادة ما يروج هذا المفهوم لفكرة أنك تستحق شيئًا لمجرد أنك موجود. الفكرة هنا هي أنك إذا اعتقدت أنك تستحق الحب، الثروة، السعادة، أو أيًا كان، فيجب عليك فقط أن ترفع مستوى “استحقاقك” من خلال ترديد توكيدات مثل: “أنا أستحق الحب” أو “أنا أستحق النجاح”. هذا النوع من التفكير قد يعزز الثقة بالنفس ويساهم في تعزيز احترام الذات، لكن في الوقت نفسه قد يغرقنا في أوهام بأن الحياة ستقدم لنا كل ما نريد لمجرد أننا نعتقد أننا نستحقه.

2. مفهوم الاستحقاق في الدراسات الأكاديمية: من جهة أخرى، يراه الباحثون على أنه شعور بالاستحقاق الزائد، أو الاعتقاد بأن الشخص يستحق أكثر من غيره، وأن له الحق في الحصول على امتيازات خاصة. هذا النوع من الاستحقاق مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنرجسية، حيث يتوقع الشخص الحصول على معاملة خاصة دون تحمل المسؤوليات المتبادلة.

قصة لوسي والاستحقاق

في عام 2013، كتب المدون تيم أوربان مقالًا بعنوان “لماذا فارقت السعادة جيل الألفية؟”، حيث أشار إلى أن جيل الألفية يعاني من الشعور الزائد بالاستحقاق، مما يساهم في شعورهم بالتعاسة. إذ نشأ هذا الجيل على رسائل مثل “أنت مميز”، مما جعلهم يعتقدون أنهم مهمون ويريدون المعاملة الخاصة رغم أنهم لم يحققوا بعد أي إنجازات كبيرة تستحق ذلك. هذه الفكرة غالبًا ما تؤدي إلى العجز عن تقبل الواقع أو مواجهة التحديات.

الاستحقاق في المجتمعات المرفهة

أظهرت بعض الدراسات المجتمعية، مثل تلك التي أجريتها في بحث مع شركة في مجال الاقتصاد السلوكي، أن المجتمعات التي نشأت في بيئة مرفهة وتمكنت من الازدهار بسرعة، مثل بعض المجتمعات الخليجية، تعاني من حس استحقاق عالٍ. هؤلاء الأشخاص يعتقدون أنهم يستحقون أفضل الوظائف والرواتب فقط لأنهم ينتمون إلى بيئة معينة أو لديهم خصائص مميزة. وهذه الفكرة تظهر بوضوح في بيئات لا تتحمل المسؤوليات الجماعية أو الفردية بقدر كاف.

التمركز حول الذات والاستحقاق

الأدبيات الغربية الحديثة التي تروج لتطوير الذات غالبًا ما تشجع على تمركز الفرد حول نفسه باعتباره مركز الكون. وهذا يساهم في شعور الشخص بأنه “يستحق” كل شيء لمجرد أنه هو نفسه. هذا المعتقد يدفع الكثير من الناس إلى الاعتقاد بأنهم يستحقون أشياء دون بذل الجهد الكافي، مما يضعهم في موقف يصعب عليهم فيه أن يدركوا الواقع ويحملوا المسؤولية عن أفعالهم.

الاستحقاق في العلاقة مع الله تعالى

من المثير للاهتمام أن مفهوم الاستحقاق في القرآن الكريم يرتبط دائمًا بالله عز وجل. جميع الآيات التي تتناول فكرة الحق تتعلق بحق الله وحده. أما حقوق الإنسان في الدنيا أو الآخرة فهي نتيجة لما يقدمه الإنسان من جهد وعبادة، ولكن دون أن يعتقد أنه يملك الحق المطلق في الحصول على شيء بناءً على عمله فقط.

“لَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ.” (الآية من سورة الروم)

هذا المعنى يوجهنا إلى أن الله هو المصدر الرئيسي لكل رزق ونعمة، وأن كل ما نملكه هو بفضل الله ورحمته، سواء في الدنيا أو في الآخرة.

الأهلية بدلاً من الاستحقاق

في سيرة الإمام مالك رحمه الله، نجد أنه عندما كان يتم تكريمه أو مباركته، كان يُقال له “أنت أهلٌ لذلك”. هذا يعكس فكرة أن المكانة والإنجاز ليست استحقاقًا، بل هي نتيجة للأهلية والجدارة التي تكتسب من الجهد المستمر. فبدلاً من التركيز على مفهوم الاستحقاق، الذي قد يدفعنا إلى العيش في أوهام، ينبغي أن نركز على “الأهلية” التي تعني الاستعداد والقدرة على تحقيق هدف معين.

خاتمة

في النهاية، فإن التركيز على الاستحقاق قد يكون مضللًا إذا دفعنا إلى الاعتقاد أننا نستحق كل شيء لمجرد أننا موجودون. يجب أن نكون واقعيين وأن نتبنى مفاهيم أكثر إيجابية تقوم على الجهد والإخلاص، وليس التوقعات غير المدعومة بأي مبررات منطقية أو عملية. بينما يعزز احترامنا لذاتنا من خلال “الأهلية” التي تنبثق من السعي والعمل الجاد، يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالإنجازات الحقيقية والواقعية التي تحقق لنا السعادة والنجاح.

svg

ما رأيك؟

إظهار التعليقات / اترك تعليقًا

اترك رداً

svg
تنقل سريع
  • 01

    فهم الاستحقاق: بين الحقيقة والتوهم