أنت تقرأ الآن: من فلسفة كليفتون إلى تطبيقها في حياتنا المهنية

جار التحميل

من فلسفة كليفتون إلى تطبيقها في حياتنا المهنية

svgأبريل 2, 2025تدويناتي

“عزيزي فلان، كان أداؤك جيدًا هذا العام، أحرزت بعض الإنجازات التي تشكر عليها، لكن نحتاج أن نركز على نقاط ضعفك، حتى نستطيع أن نرفع أدائك من جيد إلى ممتاز في العام القادم”.

كثير منا كان في موقف هذا “الفلان” الذي خاض نقاشات غير مريحة مع مديره في جلسة تقييم الأداء السنوية. وبغض النظر عن كيفية الخروج من هذه الجلسات، سواء سعداء أو محبطين، فنحن دائمًا نخرج بقائمة من نقاط الضعف المهنية التي يُفترض أن نركز جهودنا على تحسينها.

من المعتقدات التقليدية إلى رؤية جديدة

طيلة حياتي كنت أعتقد أن الطريقة المثلى للتنمية الذاتية هي أن تكتشف مواضع الخلل في أدائك وتعالجها. لكن مؤخرًا، تعرفت على فلسفة عالم النفس «دون كليفتون»، الذي طرح في الخمسينيات منظورًا جديدًا يدفعنا للاستثمار في تطوير مواطن القوة بدلاً من تشتيت الجهد والوقت في تطوير نقاط الضعف. من وجهة نظره، كل إنسان يمتلك مواهب فطرية، وإذا استطاع اكتشافها وتوظيفها وتطويرها، سيحولها إلى نقاط قوة، وبذلك سيكون المردود الإيجابي على حياته المهنية والشخصية أضعاف مضاعفة مقارنة بالجهد الذي يبذله في تحسين نقاط ضعفه.

دراسة كليفتون وتوجهاته الجديدة

إحدى التجارب المحورية التي قادته وفريقه إلى التنبه إلى هذا النمط كانت دراسة أجروها على طلاب لقياس مستوى القراءة السريعة لديهم. فوجدوا فريقين: الأول بمعدل قراءة بلغ 90 كلمة في الدقيقة، فصُنفوا بالعادي، والآخر كانوا يقرأون 350 كلمة في الدقيقة، فصُنفوا بالموهوبين. ثم خضع الفريقان لتدريب موحد على استراتيجيات القراءة السريعة. فكانت نسبة التحسن عند الفريق العادي 66٪، ولكن المفاجأة كانت أن مستوى الفريق الموهوب تحسن بنسبة 800٪!

قبل كليفتون، كان علماء النفس يركزون على معالجة مشكلات الإنسان، لكن كليفتون طرح نهجًا مغايرًا يعتمد على البحث في ما هو “صحيح” وتعزيزه. ومن خلال ترأسه لمجلس إدارة «غالوب»، استطاع أن يكرس جهود بحثية ضخمة لتطوير أدوات تساعد الأفراد والمنظمات على تبني أسلوب عمل متمحور حول تطوير نقاط القوة.

الموهبة، المعرفة، والمهارات: ما هو الفرق؟

قبل أن نبدأ في تطوير نقاط قوتنا، يجب أن نفهم الفرق بين الموهبة، المعرفة، والمهارات:

  • الموهبة: أنماط من الأفكار أو المشاعر أو السلوك تتكرر لديك بشكل طبيعي وتلقائي، وهذه المواهب تنبع من جوهر شخصيتك ولا تتغير مع الزمن.

  • المعرفة: المعرفة التي تكتسبها من خلال التعليم أو الخبرة في مجالات معينة.

  • المهارات: قدرتك على أداء المهام المحددة، المكتسبة من خلال التدريب أو الممارسة.

الموهبة + المعرفة + المهارات = نقاط قوتك.

الموهبة كعنصر أساسي للنجاح المهني

الموهبة هي السر الذي يضيف قفزة في الأداء المهني. إذا كنت تمتلك المعرفة والمهارة في أمر ما، قد تصل إلى أداء جيد. ولكنك لن تصل إلى أداء استثنائي إلا إذا كنت تمتلك الموهبة في هذا المجال. مثلًا، البائع الذي يمتلك القدرة الفطرية في إقناع الناس وفهم شخصياتهم، سيكون أداءه أفضل بكثير من بائع آخر تعلم خصائص المنتج وتدرب على أساليب البيع.

كيف أعرف مواهبي الفطرية؟

هناك عدة طرق لاكتشاف مواهبك الفطرية، ومنها:

  1. مراقبة الذات: لاحظ نفسك وأدائك. ما هي المهام التي تقوم بها بشكل تلقائي وتشعر أنك متمكن منها؟ دوّنها.

  2. الحصول على تغذية راجعة: اسأل مديرك، زملائك، وأصدقائك عن نقاط قوتك التي تميزك من وجهة نظرهم. فكر في الإطراء الذي تلقيته حول أعمالك، وقارن بين ما لاحظته وما ذكره الآخرون.

  3. استخدام أدوات منهجية: شخصيًا، أجريت اختبار كليفتون لنقاط القوة، وكانت تجربة نوعية. الاختبار يساعدك على فهم الثيمات التي تكرر في مواهبك الفطرية، ويوضح لك كيفية توظيفها في حياتك المهنية والشخصية. كما أن هناك أدوات أخرى مثل تطبيق «غالوب» التي تساعدك في توظيف هذه المواهب وتحويلها إلى نقاط قوة.

هل يجب تجاهل نقاط ضعفنا؟

بالطبع لا. من المهم التعرف على نقاط ضعفنا المهنية لتجنب “المطبات” والعمل على تطويرها. ولكن بدلاً من صرف كل الجهد عليها، يمكننا توظيف أدوات أو أفراد يمتلكون المهارات التي نفتقر إليها. مثلاً، إذا كانت لديك مهمة تتطلب الانتباه للتفاصيل وأنت غير جيد في ذلك، استعن بشخص لديه موهبة في هذه الجوانب.

الإدارة بالمواهب: من أين نبدأ؟

من المهم أن ندرك أن النقاط الضعيفة لا يجب أن تكون عقبة مستمرة في طريقنا، لكنها ليست بالضرورة ما يجب أن نركز عليه طوال الوقت. بدلًا من تكريس الجهد في إصلاح كل شيء، قد نحتاج إلى التركيز على نقاط قوتنا وتوظيف المهارات المناسبة لمهامنا.

في بيئات العمل، غالبًا ما نجد أن الموظفين يُمنحون مهامًا لا تناسب قدراتهم. أحيانًا تُكلف موظفًا لديه ضعف في التعامل مع الأرقام بمهام مالية معقدة، أو شخص ضعيف في الكتابة بمهام تتطلب مهارات لغوية عالية. من الأفضل أن ندير فرق العمل من خلال النظر إلى مواهبهم الطبيعية، فذلك سيكون أكثر فاعلية من محاولات تحسين نقاط الضعف باستمرار.

إدارة الموارد البشرية بناءً على المواهب

دراسات «غالوب» تشير إلى أن الموظفين الذين لا يُمنح لهم الفرصة لاستثمار مواهبهم الفطرية، يكونون أكثر عرضة للتعاسة، ويُبدعون أقل، ويشعرون بالإرهاق في العمل. في المقابل، الموظفون الذين يعرفون ويوظفون مواهبهم، يشعرون بأن حياتهم العملية أفضل، ويرتفع أداؤهم، ما ينعكس إيجابًا على أرباح المنظمة.

إذن، لا بد أن نركز على تطوير نقاط القوة لدينا، وتوظيف المهارات التي تكملنا، ليس فقط لتطوير أنفسنا كأفراد، ولكن لتحسين بيئات العمل وتحقيق النجاح الجماعي.

svg

ما رأيك؟

إظهار التعليقات / اترك تعليقًا

اترك رداً

svg
تنقل سريع
  • 01

    من فلسفة كليفتون إلى تطبيقها في حياتنا المهنية