أنت تقرأ الآن: الاستفهام عن “الأثر”: بين المفهوم الشخصي والمجتمعي

جار التحميل

الاستفهام عن “الأثر”: بين المفهوم الشخصي والمجتمعي

svgأبريل 2, 2025تدويناتي

سؤال “ما الأثر الذي ستتركه؟” أصبح من الأسئلة الشائعة في حياتنا اليومية، وقد ترافق هذا السؤال مع مجموعة من المفاهيم المثالية التي تروج لها أدبيات تطوير الذات. نرى العديد من الأشخاص الذين يطرحون هذا السؤال وكأن وجودهم في هذه الحياة يجب أن يُختتم بإنجاز كبير أو أثر ملحوظ. لكن في الوقت ذاته، قد يصبح هذا السؤال مبتذلاً، خصوصًا عندما يُطرح دون سياق حقيقي أو غرض واضح.

هل يقتصر الأثر على الإنجازات الكبرى؟

في عالمٍ يقدّر الأرقام والمشاريع الكبرى، قد يبدو أن “الأثر” يعني بالضرورة تحقيق مشروع عملاق أو الحصول على منصب قيادي مهم. وبذلك، يتم ربط الفكرة بين ترك الأثر وبين فكرة “الخدمة العامة” أو المشاريع المتميزة التي تحقق تأثيرًا ملحوظًا في المجتمع. لكن هل هذا هو التعريف الوحيد للأثر؟

من خلال تجربتي، توصلت إلى بعض الأفكار التي قد تجعلنا نتعامل مع مفهوم “الأثر” بشكل مختلف:

1. أصحاب الأثر لم يسألوا أنفسهم “كيف أترك أثرًا؟”

لو نظرنا إلى حياة العديد من الشخصيات التي غيرت مجرى التاريخ، مثل إدوارد سعيد أو سيدنا عمر بن الخطاب، سنجد أنهم لم يسألوا أنفسهم يومًا عن كيفية ترك أثر، بل كان لديهم “هوس” بحل قضية معينة أو إحداث تغيير في مجتمعهم. كان ترك الأثر نتيجة طبيعية لهذا الهوس، ولم يكن الهدف الأسمى لديهم هو البحث عن “فرصة لترك الأثر”.

بدلاً من السؤال عن كيفية ترك الأثر، قد يكون من الأجدر أن نسأل أنفسنا: ما هي المسألة التي أرغب في الإسهام فيها؟ فالسعي لحل قضية معينة أو المساهمة في مشكلة تُشغلنا قد تكون طريقًا طبيعيًا لترك الأثر.

2. الأثر ليس بالضرورة مرتبطًا بتخليد الأسماء

مفهوم الأثر غالبًا ما يرتبط لدى البعض برغبة في تخليد الأسماء وترك بصمة دائمة. لكن هذا الدافع قد يكون أكثر ارتباطًا بـ “الأنانية” من الرغبة الحقيقية في خدمة الآخرين. فترك الأثر يجب أن يكون دافعًا لهدف أكبر من الذات. يجب أن نركز على إضافة قيمة حقيقية للآخرين بدلاً من أن نكون مهووسين بالبحث عن فرصة لتخليد اسمنا، أو الحصول على “جائزة” تقدير، بل أن نكتفي بأن يكون الأثر في صميم نوايانا.

3. الله لا يحاسبنا كما يحاسبنا مديرنا في العمل

في العمل، نقيس النتائج بالأرقام: عدد المشاريع المنجزة، حجم المبيعات، الأهداف التي تم تحقيقها. لكن الله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى النتائج بنفس الطريقة. بل يُركز على سعي الإنسان وجهده، كما قال تعالى: “وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ” [النجم: 39]. وهنا تأتي أهمية التركيز على الجهد الذي نبذله وليس على حجم أو نوع العمل الذي نقوم به.

قصة أويس القرني، الذي لم يحارب في معركة، ولم يرافق النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه كان مخلصًا في نياته، أظهرت كيف أن الجهد الصادق من دون إنجازات مادية قد يترك أثرًا عميقًا في نفوس الآخرين. وقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة أن يطلبوا منه الدعاء، حيث كان له أثر كبير رغم قلة “إنجازاته” الظاهرة.

الأثر في رؤية الله تعالى:

علاقتنا بالله سبحانه وتعالى توضح لنا المعنى الحقيقي للاستحقاق. ليس لأننا تعبنا أو بذلنا جهدًا، نعتقد أننا “نستحق” المكافأة، بل لأن الله هو المسبب وراء كل شيء، ونحن نعمل ونسعى بإرادتنا، لكن النتائج بيد الله وحده.

كما ورد في قوله تعالى: “تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ” [آل عمران: 26].

التغيير في مفهوم الأثر:

الأثر ليس محصورًا في أرقام كبيرة أو مشاريع ضخمة، بل يمكن أن يكون صغيرًا وعميقًا في تأثيره. يمكن أن يكون أثرًا في حياة شخص واحد، أو في موقف عابر في حياتنا اليومية. الأهم هو أن يكون هذا الأثر ناتجًا عن نية صادقة وابتغاء مرضاة الله، بغض النظر عن حجمه أو شكله.

إن الهوس بالبحث عن الأثر قد يجعلنا نغفل عن جوهر العمل نفسه، وهو السعي الصادق والتضحية من أجل قضية ما. الأثر ليس بالضرورة أن يكون مشروعًا ضخمًا أو فكرة مبتكرة، بل قد يكون بسيطًا ولكنه مؤثر إذا كان ناتجًا عن نية صافية. في النهاية، علينا أن نتذكر أن الأثر الحقيقي ينبع من الجهد المستمر في العمل والنية الطيبة، لا من البحث عن طريقة لتخليد الذات.

svg

ما رأيك؟

إظهار التعليقات / اترك تعليقًا

اترك رداً

svg
تنقل سريع
  • 01

    الاستفهام عن “الأثر”: بين المفهوم الشخصي والمجتمعي