أنت تسأل من أنا؟ وأنا أبحث عن نفسي في كل زاوية، في كل ظل، في كل لحظة ضائعة في الزمن. هل يمكن للإنسان أن يعرف من هو حقًا؟ هل يمكن للمسافر في هذا العالم المضطرب أن يعثر على مرآته، أم أن الجواب دائمًا ما يكون ضبابًا يختلط بالريح؟ قد أكون فواز جمعة، صاحب هذه الكلمات، لكن هل هذا هو كل ما أنا عليه؟ أليست كل تجربة، وكل لحظة، وكل فكرة خالدة تحمل جزءًا مني، في حين أنني أظل، في أعماقي، غير قادر على إدراك نفسي بالكامل؟
أنا مهندس برمجيات، خبير في تهيئة المواقع لمحركات البحث، ومدير حملات تسويق إلكتروني. قد يبدو هذا تعريفًا دقيقًا لما أفعله في هذا العالم المادي، لكن هل هذه الوظائف هي ما يشكل وجودي؟ أم أنني مجرد آلة تعمل بلا توقف، تلاحق الأرقام والكود وتدير الكلمات، في مسعى لا ينتهي وراء النجاح الزائف والإنجازات الفارغة؟ هل يُختزل الإنسان إلى هذه الوظائف التي تستهلكه، أم أنه مجرد كائن عالق في حلقة من لا شيء، يحاول أن يجد لنفسه معنى في عالم لا يكترث بالمعنى؟
البرمجة، تلك الحروف التي تُكتب بلا توقف، أشعر بها وكأنها طلاسم في عالم غريب لا يدركه أحد. أنا أكتب الأكواد، أصنع الواجهات، أخلق من العدم شيئًا ملموسًا، ولكن هل ما أفعله له قيمة؟ أو ربما أنا مجرد كائن يسعى في دائرة مفرغة، يكتب الأسطر ويطارد أخطاء البرامج وكأنها ألغاز لا تنتهي. هل هي الوسيلة التي تربطني بالعالم، أم أنها سجني الأبدي، حيث تتكرر الأوامر والأحداث دون أن أتقدم خطوة واحدة نحو الحقيقة؟
الرموز التي أكتبها ليست مجرد تعليمات للأجهزة، بل هي انعكاس لعالم مظلم داخل عقلي، حيث أبحث عن المعنى في كل خلية من الكود. لكن الكود لا يجيب، والمواقع لا تتحدث. إنها معركة خفية بين الإنسان والآلة، بين العقل الذي لا يزال يتوق إلى الفهم، وبين عالم لا يتوقف عن التوسع في المجهول.
التسويق، هو محاولة بيع الحلم. أتراءى أمام الآخرين بأفكار قد تكون جميلة في نظر البعض، وأنيقة في أعين الآخرين، ولكنها في النهاية تبقى مجرد كلمات، صور، وأحلام زائفة. أروج لمنتجات، أخلق حملات إعلانية، أكتب رسائل تجذب الأنظار، ولكن ماذا وراء هذه الواجهة؟ هل تسوق لرغبات الناس، أم أنك فقط تُغذي رغبات وهمية، تجذبهم إلى استهلاك لا نهاية له؟
في التسويق، أبيع أكثر من المنتجات، أبيع خيالات وأوهامًا، أملاً سيتلاشى مع مرور الوقت. وهذا ما يشعرني بالفراغ الداخلي، كما لو أنني مجرد طائر يسير على خيط رفيع في السماء، محاط بشكوك وأحزان لا يمكن دفعها. هل ما أفعله له معنى؟ أم أنني مجرد آلة في عجلة هذا العالم الذي يسعى وراء المجهول؟
الكتابة، هي الوسيلة التي أستطيع من خلالها أن أهرب من الواقع، لكنني لا أهرب من شيء سوى من نفسي. أكتب لأفرغ أفكاري، ولكن الكتابة نفسها تصبح سجنًا آخر، مكانًا أضع فيه جميع أسئلتي التي لا جواب لها. الكلمات التي أكتبها تخرج مني، لكنني لا أراها كافية. هل هي مجرد محاولة فاشلة للتعبير عن شيء لا أستطيع فهمه؟ هل هي محاولة يائسة لإنقاذ نفسي من هذا الفراغ الذي يحيط بي؟
وفي تلك اللحظات التي أضع فيها القلم على الورق، أشعر أنني أعيد تشكيل العالم بأسره، لكن الحقيقة تتسرب من بين أصابعي. الكتابة لا تقدم لي أي إجابة، فقط تخلق المزيد من الأسئلة. وكل كلمة هي انعكاس للظلام الذي بداخلي، للحيرة التي لا أستطيع التخلص منها. في الكتابة، كما في كل شيء آخر، أنا وحدي في هذا الكون اللامتناهي، أبحث عن حقيقة قد لا توجد أبدًا.
أحيانًا، عندما تتراكم الكلمات في داخلي دون أن أستطيع فهمها، أجد نفسي ألتجئ إلى الرسم. ولكن حتى في الرسم، لا أجد السلام الذي أبحث عنه. الألوان التي أضعها على الورق لا تعكس إلا تناقضات عقلي، خطوط متداخلة، وظلال لا تنتهي. الرسم هو محاولة للهروب، لكنه في النهاية مجرد محاولة أخرى لاستيعاب عالم لا يمكن استيعابه.
كل خط، كل لون، هو تذكير بأننا لا نملك شيئًا سوى الوقت الذي نعيشه، وأننا، في النهاية، نرسم على جدار الزمن الذي سينهار في يوم من الأيام.
أنا لا أبحث عن إجابات، لأنني أعرف أن الإجابات لن تأتي. أنا هنا في هذا المكان، أعيش في هذا الزمن المرهق، أحاول فهم ما لا يمكن فهمه. الحياة هي مجرد سلسلة من الحروب الداخلية، محاولة للحفاظ على شيء صغير من الذات في عالم يبتلعنا بأسره.
وأنا، في النهاية، مجرد شخص يسير على هذا الطريق، أبحث عن معنى لا أظن أنني سأجده أبدًا. أكتب وأرسم وأبرمج، لكن هل هذه هي الحياة حقًا؟ أم أنني مجرد شخص يسعى عبثًا لإضاءة ظلام لا يمكن إضاءته؟